التنمية البشرية وحقوق الإنسان
المجلة القضائية – لبنان – أبريل 2013
بقلم الدكتور ايلي ابوعون المدير التنفيذي للصندوق العربي لحقوق الإنسان
تعرف التنمية البشرية بثلاثة مكونات اساسية: المكون الإقتصادي/الإجتماعي والمكون الثقافي والمكون السياسي، وهي تؤدي إلى توسيع آفاق الفرد في إتخاذ قرارات متنورة وإعتماد خيارات شخصية من خلال مسار ينقل الفرد من حالة “الوجود الجسدي” إلى مستوى “التعبير عن الذات.” وفي هذا الإطار لا بد من السؤال عن القواسم المشتركة بين المكونات الثلاثة وتفاعلها للدخول إلى التنمية، كما وبارتباطها بمفهوم العصرنة الذي يتلازم مع قدرة الفرد على إنتاج خيارات شخصية في كل الأمور المتعلقة به
. إن هذه القدرة تتصل بوجود “دوافع و”وسائل”” لإنتاج خيارات ؛ علماً أن غياب إحد العنصرين (الدوافع اوالوسائل) يؤثر سلباً على الآخر وعلى المحصلة النهائية أي تحقيق التنمية
. وهنا تأتي المقاربة الحقوقية في أهمية تأمين بيئة حاضنة لكلا العنصرين معاً
ترتكز هذه المقاربة الى أساس نظري يظهر أهمية حقوق الإنسان (المدنية، السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية) في تأمين إطار عام مجتمعي يخلق تكاملاً بين “الحاجة” و” الحق” ويؤسس لمعادلة المواطنة التي توازي بين التمتع بالحق وتأدية الواجب في إطار من المساءلة لصاحب ألحق (المواطن) والمؤتمن على الحق (السلطة)
رغم أن الملزمة الحقوقية مؤطرة في قالب قانوني دولي إلا أن هذا لا يكفي بحد ذاته إذ يجب إيجاد أطر محلية ووطنية تعزز قبول هذه الملزمة، وهنا يأتي دور السلطة والجهات غير الحكومية المحلية والوطنية في عملية إكساب الحقوق مشروعية محلية تكون مدخلاً إلى بلورة عنصر الاستدامة
و لما كانت فكرة التنمية ترتكز الى مبدأ “التحول” أو “التقدم” وأن الحقوق هي “متساوية” و “متكاملة” فن آنٍ معاً ، لا يمكن التفكير بالتنمية إلا ضمن عملية تدريجية تؤدي في نهاية المطاف إلى أن يكون الفرد متمكناً من إيجاد الدوافع والوسائل لإنجاز هذا التحول. وهذا يفرض أن تكون أهداف التنمية منسجمةً مع مبادئ حقوق الإنسان وإلا باءت بالفشل
من جهةٍ أخرى، لا تكون التنمية مستدامة إلا عندما تصنع سياسات تؤمن ديمومة العمل الريعي (تأمين الحاجات من خلال الخدمات) لتنقله إلى مستوى تمكيني تنموي يغير صفة الفرد من مستفيد إلى شريك وصاحب حق. وهنا تأتي أهمية إعتماد المقاربة الحقوقية في تأمين حد أدنى من المساواة واشراك جميع أطياف المجتمع ولاسيما الفئات المهمشة في عملية تعنيهم بالدرجة الأساس
عند مقاربة عملية صناعة السياسات، نجد أنها تمر بمراحل معينة (وضع الأولويات، تحويل الأفكار والمطالب إلى مقترحات، صياغة السياسة، إقرار السياسة، تنفيذ السياسة، المراقبة والتقييم). إن إتمام هذه المراحل ليس ممكناً في غياب مشاركة فاعلة لجميع الأطراف المعنيين بمن فيهم الأفراد والمجتمعات نفسها. وكيف يمكن في هذه الحالة تصور أي دور لهذه الأطراف في غياب المقاربة الحقوقية؟ فخلاف ذلك يبتر عملية صنع السياسات من اساسها ويعيدنا إلى المربع الأول: سياسات استنسابية تصنعها السلطة منفردةً لا تعكس دوافع المجتمع ولا تؤمن القبول مما يجوف مفهوم التنمية ويفقدها عنصر الاستدامة
خلاص,,لا بد من الإعتراف بأن إعتماد المقاربة الحقوقية في التنمية ليس بالأمر السهل بخاصةً عندما تحاول الجهة المؤتمنة على الحق (السلطة) ترجمة هذا على المستوى العملاني. ففي معظم الحالات، لا يمكن حصر هذه المهمة بالجهات الحكومية وحدها بل يجب أن تتعداها إلى دور فعال للجهات غير الحكومية ضمن شراكة بإتجاهين تسمح لكل طرف بالقيام بدوره والتفاعل الإيجابي مع المجتمع من جهة و مع الطرف الآخر من جهةٍ أخرى