791936-830416960

النازحون السوريون “كرة نار” يتقاذقها المجتمع الدولي ولبنان

طوني بولس

This piece was originally published on the independentarabia website https://www.independentarabia.com/

عاد ملف النازحين السوريين إلى الواجهة من جديد، عبر تحرك سياسي وقانوني جديد، بدأته السلطات اللبنانية لإعادتهم إلى بلادهم، حيث باتت هذه القضية بالنسبة لمسؤولين أمنيين تخفي بين طياتها أخطاراً كبيرة تهز الاستقرار الاجتماعي والأمني في لبنان.

وطفت، أخيراً، مواقف أطلقها مسؤولون تتحدث عن “مؤامرة” دولية تستهدف توطين النازحين في لبنان، الأمر الذي يقلق اللبنانيين، لا سيما أن التوازنات السياسية في البلاد لها أبعاد ديموغرافية وتوازنات طائفية.

تغيير ديموغرافي

وتخشى بعض الأوساط السياسية من أن يكون لبنان ضحية تغييرات ديموغرافية واسعة النطاق، إذ يعتقد البعض أن الحرب السورية أفرزت تهجيراً قسرياً إلى خارج البلاد لما يقارب ثمانية مليون شخص، تزامناً مع نزوح داخلي تتم قراءته بمثابة إعادة فرز سكاني داخل سوريا، حيث نزح نحو مليوني شخص باتجاه منطقة الإدارة الذاتية في الشمال، ومنطقة شرق الفرات حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية.

بالتالي بحسب قراءة أوساط سياسية لبنانية، فإن الرئيس السوري بشار الأسد بات مرتاحاً للتوزيع الديموغرافي الحالي، الذي يضمن استقرار حكمه بالتخلص من نحو 10 ملايين معظمهم من الطائفة “السنية” الأمر الذي يجعله يضع عقبات بوجه إعادة اللاجئين في دول الجوار.

كذلك الأمر بالنسبة لـ”حزب الله” الذي يوجد عسكرياً في سوريا وبخاصة لناحية المناطق الممتدة قرب الحدود السورية، إذ سهلت هجرة السوريين من مدينة حمص والقصير والقلمون وريف دمشق الشرقي إضافة إلى الزبداني ومضايا ويبرود، الوجود فيها وتوسيع المجال الحيوي لمحافظة بعلبك الهرمل اللبنانية نحو مساحات واسعة واستراتيجية في سوريا.

عرقلة “غربية”

في المقابل يؤكد وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، أن لبنان طالب في ورقة مؤتمر بروكسل بتشكيل لجنة ثلاثية مؤلفة من لبنان وسوريا ومفوضية اللاجئين ولم يبت الطلب من قبل جوزيب بوريل المسؤول السياسي في الاتحاد الأوروبي الذي رفض التعاون، علماً أن هدف اللجنة مراقبة قرى العودة ودراسة أوضاع النازحين العائدين الاقتصادية والأمنية، مشدداً على أن العرقلة من الدول المانحة لأسباب سياسية، معتبراً أن الجانب السوري متعاون في مسألة إعادة السوريين من لبنان، كاشفاً عن أنه طلب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تحديد موعد زيارة الوفد الرسمي اللبناني إلى سوريا لمتابعة الملف.

شرف الدين لفت إلى أنه مهد للحلول العملية لهذا الملف خلال زيارته الأخيرة لدمشق، ولقائه وزير الداخلية السوري اللواء محمد الرحمون، ووزير الإدارة المحلية المهندس حسين مخلوف حيث تم النقاش بملفات عدة، بدءاً من الخدمة العسكرية السورية التي ستناقش مع وزير الدفاع خلال الزيارة الرسمية التي تسهل عودة السوريين المتخلفين، ووصولاً إلى إمكانية فتح الحدود اللبنانية السورية مع تسهيلات ليوم العودة الاختيارية مرة في كل أسبوع مع موضوع المساجين السوريين الذين يرغبون بإكمال محكوميتهم في سوريا وملفات أخرى متل البت بمكتومي القيد السوريين وسواها. والجدير بالذكر أن لقاء عقد منذ أيام بين الأردن وسوريا في الملف عينه، حيث التقى الأسد وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي لمتابعة موضوع النازحين السوريين في بلاده، الأمر الذي يكشف عن فتح باب التنسيق الثنائي بين دول الجوار مع سوريا في قضية اللاجئين بعيداً من التنسيق مع الأمم المتحدة.

أكبر دولة مانحة

ووفق إحصاءات أجراها الأمن العام حول توزيع المقيمين على الأراضي اللبنانية، تبين أن 66.6 في المئة من المقيمين لبنانيون، يليهم السوريون بنسبة 37 في المئة، والفلسطينيون 1.4 في المئة، وعدد السوريين في لبنان بلغ 2.089.000 نسمة، بينهم نحو مليون ونصف لاجئ، حيث استقر الرقم بعد قرار الحكومة اللبنانية بوقف تسجيل النازحين السوريين في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2014، ويقسم الرقم التقديري إلى مجموعتين، الأولى هم المسجلون رسمياً ويبلغ عددهم 831 ألف، والثانية وهم غير مسجلين وعددهم نحو 450 ألفاً.

وفي مسودة تقرير أعدته أوساط معنية بالملف (انقر رابط الـPDF)، تم مقاربة كلفة النزوح السوري على لبنان ضمن ثلاث مراحل، الأولى تبدأ منذ اندلاع الحرب السورية وبداية النزوح وصولاً إلى 2014 حيث تقرر وقف تسجيلهم، والثانية من 2015 إلى عام 2019 حيث بدأت الأزمة اللبنانية لتبدأ معها المرحلة الثالثة والمستمرة حتى اليوم.

وتخلص الدراسة إلى رقم تقديري للكلفة المباشرة للنزوح السوري بلغ أكثر من 40 مليار دولار، وهي تشمل جميع القطاعات مثل الطاقة والتعليم والطبابة والصحة وغيرها من القطاعات التي تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر، مشيرة إلى أن مساهمة المجتمع الدولي منذ بداية الأزمة بلغت 12 مليار دولار، الأمر الذي يجعل من لبنان أكبر دولة مانحة في العالم بقضية اللجوء السوري.

دمج وتوطين

وفي هذا السياق أكد وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، العمل على قطع الطريق عن أي محاولة لتوطين اللاجئين في لبنان، متخوفاً من خطط يدعمها الاتحاد الأوروبي بهذا الاتجاه، وتحويل ملف النزوح إلى ورقة تفاوض لإعادة رسم خرائط المنطقة، معلناً إسقاط صفة النازح عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية، لا سيما الذين يتوجهون دورياً إلى سوريا ثم يعودون إلى لبنان حيث يتلقون مساعدات دولية.

وحمل حجار الموقف السياسي للاتحاد الأوروبي، إلى جانب الموقف الرمادي للحكومة اللبنانية، مسؤولية عرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، معتبراً أن المماطلة الحاصلة وإطالة بقائهم في لبنان وعدم السعي إلى عودتهم هو مدخل لدمجهم بالمجتمع، كاشفاً عن مشاريع مشبوهة تنفذ مع النازحين السوريين غايتها غير المعلنة هو الدمج.

وأكد أن عدم وجود أرقام موحدة لعدد اللاجئين والمقيمين السوريين في لبنان نابع عن تقاعس الدولة بالقيام بواجباتها من اليوم الأول للأحداث في سوريا، التي لم تبادر لإدارة هذا الملف بشكل صحيح، مشيراً إلى أنه بالإمكان إجراء تعدادهم عبر التسجيل على منصة إلكترونية وتأكيد المعلومات بزيارات ميدانية، و”كنت قد طرحت أننا كوزارة شؤون نستطيع المساهمة الفعالة في هذا العمل”.

أهداف ديموغرافية

ويشير الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ، إلى معطيين يعرقلان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، “الأول والأخطر يتمثل في عوائق تفرضها قوى الأمر الواقع في سوريا لأهداف جيو – سياسية ديموغرافية، أما الثاني فقائم على فشل المجتمع الدولي في إنجاز حل سياسي للأزمة السورية”، معتبراً أن تطبيع العلاقات بين جامعة الدول العربية والنظام السوري لم ينتج حتى الآن أي خطوة إيجابية تجاه عودة اللاجئين، مشككاً بإنتاج أي تقدم مستقبلي في ظل المعطى الأول.

وحول الحديث عن سعي الأمم المتحدة لتوطين اللاجئين في لبنان، يشير إلى أنه “بدل الاسترسال في الشعبوية والارتجال يجب العمل على دبلوماسية العودة، وهذا لن تقوم به المنظومة لتورطها في تغطية تورط فريق لبناني بأجندة غير لبنانية في سوريا”، متحدثاً عن مهزلة تتعلق بعدم وجود أرقام واضحة لأعدادهم وقال “حين تحدثنا عن موجب توحيد الرقم الإحصائي وتصنيف هؤلاء بين لاجئين وعاملين، وموجب تسجيل الولادات في سجل الأجانب، اتهمنا بالخيانة وها هي المنظومة تعود إلى هذه الطروحات بعد 12 عاماً من التمييع والتسويف”.

وتحدث عن غياب الرقابة على الأموال التي تصل إلى لبنان للاجئين بفعل عدم وجود حوكمة رشيدة ما يفتح نوافذ على فساد محتمل في وصول الأموال إلى مستحقيها، لافتاً إلى أن “أخطر ما يجري جر مجتمع اللاجئين والمجتمع اللبناني المضيف إلى توترات لتمرير جداول أعمال سياسية”، مشدداً على أن الضغط من أجل العودة أساسي لكن من دون الانزلاق نحو توتير الأجواء.

صفة اللاجئ

ويلفت الأستاذ المحاضر بمادة حقوق الإنسان في جامعة القديس يوسف إيلي بو عون، إلى أن الخطأ الأول الذي ارتكبه لبنان هو تسمية “نازحين” بدل “لاجئين”، معتبراً أن تلك التسمية بدعة، مشيراً إلى أن القانون الدولي يعتبر أن كل شخص اجتاز الحدود الدولية لبلده بات لاجئاً، مؤكداً أن صفة اللجوء وفق القانون الدولي لا تنطبق على جميع السوريين في لبنان، موضحاً إلى أن الدول عادة تعطي خلال الأزمات لجوء أولياً لجميع الوافدين، وبعد ذلك تقوم بإعادة النظر بوضعية اللاجئ وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة لمعرفة مدى استحقاقه لصفة اللجوء، مشدداً على أن التقييم يتبدل بتغير الظروف التي دفعته للهجرة من بلده.

وكشف أنه في حال أجرت السلطات اليوم “التقييم” على اللاجئين في لبنان، وهذا أمر يتطابق مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان، فإن نحو 60 في المئة من المشمولين باللجوء تسقط عنهم الصفة ويمكن إعادتهم إلى بلادهم، معتبراً أن عدم القيام بهذا الإجراء قرار سياسي لإبقاء ملف اللجوء ضمن التجاذبات السياسية.

وأكد أن المجتمع الدولي لا يعارض إعادة من لا ينطبق عليه صفة اللجوء، محملاً المسؤولية للحكومات المتعاقبة، نافياً نظرية المؤامرة التي تتحدث عن خطط غير معلنة لتوطين السوريين في لبنان، مشيراً إلى أن رفض الاتحاد الأوروبي التفاوض مع سوريا هو لأسباب سياسية تتعلق برفض التطبيع معها.

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *