“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
This piece was originally published on the masdardiplomacy website https://www.masdardiplomacy.com/
قال مدير برامج الشرق الاوسط وشمال افريقيا والمكتب الاقليمي في معهد الولايات المتحدة الأميركية للسلام الدكتور إيلي أبو عون بأن “ايران جيّرت إدارة ملف رئاسة الجمهورية اللبنانية برمّته الى قيادة “حزب الله”، لافتا:” ليس لواشنطن الرغبة بالتدخل مباشرة بطرح اسم”.
كلام أبو عون جاء في حديث شامل الى موقع “مصدر دبلوماسي” وهو يزور لبنان حاليا لبضعة أيام آتيا من تونس حيث المقر الرئيسي للمعهد الذي أسسه الكونغرس الاميركي في العام 1984، وهو يعنى بالوقاية والحد من النزاعات العنيفة. في حواره قال أبو عون بأن “ما يهم الأميركيين هو ألا يتم انتخاب رئيس يضر بالعلاقة بين لبنان واميركا”، وكشف أن
الاحتمال الاكبر هو حصول فراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون ولفترة غير معروفة”،
مشيرا الى أن “العلاقة بين إيران والغرب قد تؤثر على وصول وجوه محددة لرئاسة الجمهورية وعدم وصول اخرى”.
بالنسبة الى المفاوضات حول الحدود البحرية واحتمال وقوع مواجهة عسكرية، استبعد الدكتور أبو عون هذه الفرضية قائلا:” إن لبنان ومن ضمنه “حزب الله” او اسرائيل لديهم مصلحة بأن تنتهي هذه المفاوضات بشكل ايجابي. يوجد كلام عن حرب لكن لا توجد مؤشرات جدية أنه توجد تحضيرات لها، وبصراحة إذا نظرنا اليوم، نرى أن لا طرف من الطرفين له مصلحة بحرب، لأنه وبغض النظر من سيربح ومن سيخسر، فإن كلفتها ستكون عالية على الطرفين، وبالتالي لا توجد أجواء ولا مبررات بخوض حرب حاليا”. أضاف:” لا ارى مؤشرات أو استعدادات من قبل الطرفين (اسرائيل وحزب الله) للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة. هذا لا يمنع وقوع بعض الحوادث هنا وهنالك مع ارتفاع مخاطر التصعيد غير المقصود الذي يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى حوادث ذات عواقب غير معروفة. وفي المدى القصير، لا أعتقد أن اسرائيل ستهدد وساطة الولايات المتحدة ببدء استخراج أحادي الجانب في الحقول الشمالية“.
في الملفات الاقليمية، يقول أبو عون أنه لم يلمس أية رغبة لدى المملكة العربية السعودية في التدخل بشكل مباشر في ملفات سياسية في لبنان، مردفا:” من الممكن أن يتبدل هذا الامر بعد فترة فتجد السعودية مساحة لمناقشة بعض النقاط في لبنان”.
دوليا، يقدم الدكتور أبو عون مقاربة مفصلة تشرح نظرة الولايات المتحدة الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط بحسب أولوياتها، ويغوص في شرح تداعيات الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة العربية السعودية واسباب عدم تحقيقها لأهدافها وكيفية التفكير الاستراتيجي السعودي والخليجي الجديد تجاه أميركا. ويتطرق الدكتور أبو عون الى أسباب تأخّر توقيع الاتفاق النووي الجديد بين ايران وأميركا ودور الكونغرس والانتخابات النصفية الاميركية، والى تداعيات أزمة الطاقة الناتجة من الحرب الاوكرانية على اوروبا ودور غاز المتوسط التخفيف من حدّتها.
في ما يأتي نص الحوار:
*نحن على ابواب انتخابات رئاسية بعد أن تنتهي ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال عون في 31 تشرين الاول المقبل، هل ترى أن الانتخابات ستحصل بسرعة أم أننا على ابواب فراغ رئاسي طويل؟
-بحسب المؤشرات الموجودة اليوم لن يحصل اتفاق على اسم رئيس جمهورية وبالتالي أعتقد أننا سنمر بمرحلة فراغ تتوقف مدتها على بعض التطورات الاقليمية والداخلية، وأرى أن الاحتمال الاكبر هو وجود فراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي.
*هل الفراغ سيكون طويلا؟
-يتوقف هذا الامر على بعض الملفات الاقليمية والدولية التي يمكن أن تؤثر في مسار الحوادث في لبنان، من الصعب اليوم توقع المدة.
*ما هي المؤثرات التي يمكن أن تقصر المدة او تطيلها؟
-أولا، بالرغم من أن العلاقة بين ايران والغرب ليس لها تأثير مباشر على لبنان، لكن ممكن أن تؤثر على حظوظ بعض الوجوه في الوصول الى الرئاسة في مقابل وجوه أخرى، ثمة مواضيع اقليمية ايضا ممكن أن تشغل القوى الاقليمية والدولية عن لبنان، وبالتالي لا يعود يبذل جهد لحلّ مشاكل لبنان، فلا يعد الاهتمام ينصب على المرشحين للرئاسة. توجد تغيرات تحصل في الاقليم، حتى التقارب التركي المصري مثلا متعثر قليلا، وهذا من الممكن ان يحمل تأثيرا على العلاقة مع الخليج. لغاية الآن، ليس للسعودية مثلا أية رغبة في التدخل بشكل مباشر في ملفات سياسية في لبنان، من الممكن أن يتبدل هذا الامر بعد فترة، فتجد السعودية مساحة لمناقشة بعض النقاط في لبنان، وهذا ما أشير اليه في ما يتعلق بملفات اقليمية ممكن ان تتغير. لكن في الوقت الراهن، لا يوجد اهتمام كبير، فالمجتمع الدولي والقوى الاقليمية لديهم ملفات اهم من لبنان بكثير، فالجهد الذي يوضع في لبنان هو في الحدّ الأدنى كي لا يحصل انفجار او انهيار كامل، لكن لا يوجد اهتمام فعلي بحل المشاكل في لبنان.
*لكن توجد تحركات لبنانية باتجاه العواصم ومنها واشنطن، فمن ستكون له اليد الطولى في انتخاب الرئيس المقبل؟ واشنطن؟ فرنسا؟ ايران؟ “حزب الله”؟
-الواضح لغاية اليوم أن ايران جيّرت إدارة هذا الملف برمّته الى قيادة “حزب الله”، وليس لواشنطن الرغبة بالتدخل مباشرة بطرح اسم، بالنسبة للأميركيين هم مرتاحون أن يكون لديهم حق “الفيتو” على اسماء معينة. يبقى أن الحراك الأكبر على المستوى الدولي هو ما تقوم به فرنسا، بالتنسيق مع “حزب الله” بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا هو الظاهر لليوم، لكن من الصعب التكهّن بما قد يحصل بعد سنة. فرنسا و”حزب الله” هما أكثر طرفين مؤثرين في الانتخابات الرئاسية.
إن الحراك الأكبر على المستوى الدولي هو ما تقوم به فرنسا، بالتنسيق مع “حزب الله” بشكل مباشر أو غير مباشر
*لماذا تنسحب واشنطن من هذا الملف؟ هل لديها مواصفات محددة للرئيس المقبل؟
-لا، ليس لديهم مواصفات، ما يهم الأميركيين هو ألا يتم انتخاب رئيس يضر بالعلاقة بين لبنان واميركا. استثمر الاميركيون كثيرا بالعلاقة مع المؤسسة العسكرية وفي مؤسسة مصرف لبنان، ويهمهم أن يحافظوا على هذه المكتسبات، لكن لا توجد مواصفات مفصلة للرئيس. أما لماذا لديهم حق الفيتو؟ فلأنهم يمثلون دولة كبرى ومؤثرة ويهمهم ألا يأتي رئيس يؤذي مصالحهم. بالعودة الى سؤالك السابق، إن طريقة مقاربة واشنطن تغيرت ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة برمتها، إن طريقة مقاربتهم للملفات تغيرت وصارت كلها عن بعد أو عبر “الريموت كونترول” من خلال أطراف أخرى.
*ماذا عن الوساطة الاميركية التي يقودها مسؤول ملف الطاقة آموس هوكستين في لبنان في ما يخص ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، هل أجواؤها ايجابية بعد الزيارة الأخيرة له في ايلول الجاري؟ وهل ترى احتمال حرب بين لبنان واسرائيل او حوادث عسكرية بين حزب الله واسرائيل على خلفية هذا الملف؟
-إن كل المؤشرات لغاية اليوم، سواء من الطرفين من لبنان أو اسرائيل او من الوسيط نفسه تدل بأن الأمور تسير الى الامام، أي يوجد تقدم ملحوظ، توجد خلافات جوهرية تم التوصل الى حل بالنسبة اليها، واعتقد أن التوصيف الذي اعطاه معالي وزير الخارجية (وزير خارجية لبنان الدكتور عبد الله بو حبيب) هو دقيق أي أن 95 في المئة من الامور الخلافية تم حلها ولا يزال يوجد 5 في المئة. في كل عمليات التفاوض تكون المراحل الاخيرة شديدة حساسية لأن الجهات المتضررة من الاتفاق ممكن ان تدخل لخربطة الامور. هذا الخطر موجود، لكني اقول أن احتمالية الاتفاق اعلى بكثير من احتمالية فشل الوساطة. ولدى الطرفين مصلحة، سواء لبنان ومن ضمنه “حزب الله” او اسرائيل لديهم مصلحة بأن تنتهي هذه الأمور بشكل ايجابي. أما احتمال الحرب، يوجد كلام عن حرب لكن لا توجد مؤشرات جدية أنه توجد تحضيرات لحرب، وبصراحة إذا نظرنا اليوم، نرى أن لا طرف من الطرفين له مصلحة بحرب، لأنه وبغض النظر من يربح ومن يخسر، فإن كلفتها ستكون عالية على الطرفين، وبالتالي لا توجد أجواء ولا مبررات أن تخاض حرب حاليا.
*في ما يخص الازمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان، فضلا عن التضخم وكل الازمات المتراكمة، منذ العام 2019 للآن، هل ترى أن نهايتها ستكون قريبة؟ وما هو الحل الملائم لها؟
-بطبيعة الحال، أتمنى أن تكون لها نهاية قريبة، لأنه من الواضح أن وجع الناس يزيد، لكن، موضوعيا لا يوجد أي مؤشر يقول بأن لها نهاية، وهذا الملف لا يرتبط بالسياسة الاقليمية كما يحاول البعض الايحاء، إن جزءا كبيرا من الحلول هي حلول تنتج محليا، وأول الحلول هو الاتفاق على قيمة الخسائر وتوزيعها، وهذا أمر لم يتوصل أحد بعد لانجازه، وبرأيي انه حجر الأساس للانطلاق الى خطة تعافي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي واعادة الثقة للقطاع المصرفي. إن هذا المسار برمته يجب أن ينطلق لكن حتى المرحلة الاولى لم تنطلق بعد، وهذه بصراحة مسؤولية لبنانية بحتة بغض النظر عن رأي البعض بأجندات الدول في لبنان، ولكن هنا أحمّل الطبقة السياسية والمصرفية والقطاع المصرفي اللبناني المسؤولية الاولى في هذا الموضوع، هم مسؤولون عن عدم وجود خطة تعافي وعن عرقلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
بالنسبة لملف ترسيم الحدود البحرية لدى الطرفين مصلحة، سواء لبنان ومن ضمنه “حزب الله” او اسرائيل لديهم مصلحة بأن تنتهي هذه الأمور بشكل ايجابي. أما احتمال الحرب، يوجد كلام عن حرب لكن لا توجد مؤشرات جدية أنه توجد تحضيرات لحرب، وبصراحة إذا نظرنا اليوم، نرى أن لا طرف من الطرفين له مصلحة بحرب، لأنه وبغض النظر من يربح ومن يخسر، فإن كلفتها ستكون عالية على الطرفين، وبالتالي لا توجد أجواء ولا مبررات أن تخاض حرب حاليا.
*ما هي اهتمامات واشنطن في هذه المرحلة؟ هل من وجود للشرق الاوسط على الاجندة الاميركية وفي أية مناطق؟
-غالبا ما يتم تحريف توصيف مقاربة الولايات المتحدة الاميركية إلى الشرق الأوسط. صحيح أن الولايات المتحدة تتعامل حاليًا مع عدد من القضايا الإستراتيجية التي تحتل مرتبة أعلى في قائمة أولوياتها. لكن هذا لا يعني أنها غائبة تماما عن الشرق الأوسط. بالاضافة الى الترتيب في قائمة أولوياتها فقد تبدل التركيز – أو كيفية تحديد مصالحها – في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى مجموعة الأدوات التي تستخدمها لتحقيق هذه المصالح. يبقى أمن إسرائيل محوريا في السياسة الخارجية الاميركية في المنطقة. سيبقى هذا في غاية الأهمية وسيستمر في حشد موارد أميركية كبرى. تعتبر سلامة الملاحة البحرية أولوية إستراتيجية ثانية وخصوصا وأن العالم – والغرب عموما – لا يزالان يتحملان عواقب النزاع المسلح في أوكرانيا.
ثالثا، يأتي دور روسيا والصين. هذا عنصر مهم لم يشكل مصدر قلق للاميركيين في تسعينيات القرن الفائت والعام 2000. في الاعوام الـ10 الى الـ15 الماضية، تقدّمت هذه القضية سلم الأولويات مرة أخرى (حيث أخذت روسيا مكان الاتحاد السوفياتي في حقبة الحرب الباردة). أخيرا وليس آخرا التأكد من استمرار المكاسب التي تحققت في الاعوام الـ10 الى الـ15 الماضية ضد الجماعات الإرهابية والأنشطة غير المشروعة الأخرى (غسل الأموال الخ…). لذا فإن نشر الموارد العسكرية او المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتم تحديده الآن بناءً على هذه الأولويات.
وهذا يشمل كيفية تحديد العلاقة مع الأنظمة والحكومات في المنطقة وعمق المساعدة للمؤسسات العسكرية والأمنية ومدى استعداد الإدارة الأميركية لإشراك أو تجنب القضايا السياسية الداخلية. بالنظر إلى هذه الزاوية يمكن ان نفهم بشكل افضل سبب عدم استعداد الولايات المتحدة للمشاركة بشكل مباشر في بعض الأزمات السياسية في المنطقة والتي من وجهة نظرهم الخاصة لا تؤثر على أي من الأولويات المذكورة أعلاه.
*ماذا حققت زيارة الرئيس بايدن الى السعودية؟ وما الذي عجزت عن تحقيقه؟
– من وجهة نظري، لم يتحقق الكثير في الزيارة. يحب المتفائلون أن يسلطوا الضوء على كونها كسرت الجليد بين ولي العهد السعودي والرئيس بايدن نظرا الى العلاقة المتوترة بينهما منذ بداية ولاية الإدارة الأميركية الحالية. ومع ذلك، فإن التدهور في العلاقة وانعدام الثقة لا يقتصران على أشخاص محددين (الرئيس بايدن ومحمد بن سلمان …). على مر السنين، اتسع تآكل رأسمال الثقة ليؤثر على عدة طبقات من مؤسسات البلدين بسبب العديد من سوء التفاهم والخلافات بسبب ملفات عدة (إيران، اليمن، الإسلام السياسي الخ). يعتقد السعوديون ودول مجلس التعاون الخليجي أن الولايات المتحدة خذلتهم عندما حاولت إيران إضعاف أنظمتهم. من جهتهم،لا يزال العديد من الاميركيين -الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء- لا يزالون يحملون ضغينة ضد ولي العهد لما يعتبرونه خطوات خاطئة في اليمن والعراق ولبنان وأماكن أخرى.
من وجهة نظرهم، خلق السعوديون بالفعل فراغا في المنطقة سمح لإيران بالتوسع. بالطبع، يحمل العديد من حكام دول مجلس التعاون الخليجي والشخصيات المؤثرة الاتهامات ذاتها ضد الأميركيين مستخدمين كأمثلة كيف تم تقديم عراق ما بعد الام 2003 كهدية للإيرانيين وكيف لم تتم مواجهة التوسع الإيراني بشكل استباقي من قبل الاميركيين في لبنان بعد العام 2005 ،
و سوريا بعد العام 2011 ولاحقا في العام 2015 حيث قبلت الولايات المتحدة التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة مما أتاح لإيران الوصول إلى موارد إضافية، كذلك تجاهلها للانشطة الإقليمية لإيران بما في ذلك نشر الصواريخ العالية الدقة والدور الذي لعبه وكلاؤها أقله في 4 دول في المنطقة: العراق وسوريا ولبنان واليمن وقضايا أخرى.
أنا شخصيا أعتقد أن القضية تكمن في طبيعة ومستوى توقعات كلا الطرفين من بعضهما البعض. لا يزال العديد من صنّاع القرار في دول مجلس التعاون الخليجي ينظرون الى الولايات المتحدة على انها الوسيط الاقوى (في اشارة إلى بعض التدخلات الاميركية خلال حقبة الحرب الباردة) وتتوقع الولايات المتحدة من دول مجلس التعاون الخليجي أن يظلوا الحلفاء الذين لا يشترطون شيئا كما في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. حسنا، هذه كلها افتراضات خاطئة. لقد تغيرت الاجندة الاميركية وطريقة عملها بشكل كبير وما ينسبه او يتوقعه الجميع من الولايات المتحدة الآن هو ببساطة غير واقعي. وجهات نظرهم حول كيفية التعامل مع دول اشكالية مثل إيران لا يتم تحديدها الآن بمستوى العداء بل بالاحرى من خلال رأس المال السياسي والعسكري والموارد المالية اللازمة للتعامل مع هذه البلدان. من ناحية أخرى، فإن دول مجلس التعاون الخليجي أقل اعتمادا على الولايات المتحدة في الوقت الحاضر. شهدت هذه الدول ظهور الصين كقوة اقتصادية رئيسية في العالم وروسيا كمنافس استراتيجي آخر للغرب في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
كانت الولايات المتحدة تأمل في التزام سعودي علني لا لبس فيه بزيادة انتاج النفط وباصدار بيانات علانية حول العلاقة الاستراتيجية والفريدة مع الولايات المتحدة (مقارنة بروسيا والصين). لم يتحقق أي من هذه الامور المتوقعة
بم ان الولايات المتحدة الاميركية بدّلت نظرتها الى ايران والتهديدات لانظمة دول مجلس التعاون الخليجي، فإن هذه الانظمة تعتبر أن اعادة تموضعها من الاعتماد الكامل على الغرب (بشكل رئيسي المملكة المتحدة والولايات المتحدة) الى سياسة خارجية متنوعة تشكل فيها الصين وروسيا عنصرين مهمين هو امر مشروع.
على مستوى تكتي، كانت الولايات المتحدة تأمل في التزام سعودي علني لا لبس فيه بزيادة انتاج النفط وباصدار بيانات علانية حول العلاقة الاستراتيجية والفريدة مع الولايات المتحدة (مقارنة بروسيا والصين). لم يتحقق أي من هذه الامور المتوقعة. وفيما يتعلق بإنتاج النفط، وعد السعوديون بـ “مناقشة” مستوى انتاج النفط مع دول أوبك. في الجانب الآخر، تم الإدلاء ببعض التصريحات الغامضة حول الشراكة الأميركية السعودية. من وجهة نظري، أعتقد أن التوقعات كانت أعلى في مختلف المواضيع المتعلقة بالطرفين.
*لماذا يقف الملف النووي الايراني على عتبة عدم التوقيع؟
-يعتمد توقيع الصفقة على أكثر من عامل، وبالتأكيد هو أكثر من مجرد اتفاق بين الوفود في فيينا. يلعب الكونغرس في الولايات المتحدة دورا حيويا في السياسة الخارجية. بينما تتجه الولايات المتحدة نحو انتخابات التجديد النصفي، تريد الإدارة التأكد من أن توقيع الاتفاق لن يقوض فرص الديمقراطيين في هذه الانتخابات. في الوقت عينه، يحاولون تجنب ذات الوضع في العام 2015 حين اتهمت دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل الولايات المتحدة الاميركية بتجاهل مخاوفها. تم تضخيم هذه الاتهامات من قبل بعض أعضاء الكونغرس (الجمهوريين بشكل أساسي) مما جعل الدائرة الانتخابية المناهضة للصفقات متعددة الأبعاد (محلية وإقليمية).
أنا شخصياً أعتقد أن هامش المناورة لكل من الإيرانيين والأميركيين يتقلص يوما بعد يوم. يرى كلا الطرفين (أي النظام الإيراني وإدارة بايدن) مصلحة في العودة إلى اتفاق على أن يأخذ في الاعتبار ما تعتقده أو ما تنوي القيام به الدول الأخرى: اسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي. إن فرص التوصل إلى اتفاق لا تزال كبيرة. ومع ذلك، فإن تأثير الصفقة على القضايا الرئيسية التي تجتاح منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا سيكون ضئيلاً.
*تبدو ازمة اوكرانيا طويلة، كيف يتعاطى الاميركيون مع هذه الازمة؟
-بالنسبة الى الادارة الاميركية ينصب التركيز الآن على منع بوتين من تسجيل هدف في أوكرانيا ودفعه الى وقف ما يقوم به. يأتي هذا بتكلفة عالية جدا للاقتصاد العالمي بشكل عام مما يزيد من هشاشة اوروبا ويتطلب موارد كبيرة من قبل الولايات المتحدة باشكال واشكال مختلفة: دبلوماسية ومالية وعسكرية وانسانية الخ… من وجهة نظر صانع السياسة الاميركية، فان الاستثمار يستحق العناء حتى الآن وسيبقى طالما ان روسيا اصبحت أضعف نتيجة لحرب الاستنزاف. ومع ذلك، ظهرت اخيرا علامات على الإرهاق في واشنطن العاصمة بشأن مدة حرب اوكرانيا. وقد يتلاشى الزخم الذي يسمح للادارة بنشر كل هذه الموارد مع مرور الوقت. إذا حدث هذا، فستكون لروسيا افضلية في الحرب.
*هل ستترك الولايات المتحدة الاميركية اوروبا تتجمد من البرد بسبب امتناع الروس عن تزويدها بالغاز؟
– ثمّة الكثير من المبالغة في وصف أزمة الطاقة الأوروبية. لغاية العام 2021 كان الاتحاد الأوروبي يتلقى 40 في المئة من احتياجاته في الطاقة من روسيا و 60 في المئة من مصادر أخرى. هذا لا يعني أن الحرب في أوكرانيا لم تخلق نقصا قصير الاجل وذات دلالة ولكن هذا لا يعني ايضا ان مواطني الاتحاد الأوروبي سيتجمدون من البرد حتى الموت في شتاء العام 2023. بحلول كانون الثاني 2022 (قبل الحرب)، ازداد الطلب على الغاز في اوروبا بشكل كبير بسبب النشاط الاقتصادي الذي تعزز اثر انتهاء جائحة كوفيد -19. اضافت الحرب طبقة جديدة من المشاكل ولكنها ليست السبب الوحيد. في الأشهر الستة الماضية، زادت دول الاتحاد الاوروبي تخزينها الاستراتيجي للغاز بين 20 و25 في المئة كما صادقت على خطة استقلالية الطاقة التي ستجعل أوروبا مستقلة في الطاقة بنسبة 100 في المئة بحلول العام 2027 بتكلفة 210 مليار يورو. هناك تأثيران رئيسيان يمكن رؤيتهما هذا الشتاء: خفض بنسبة 15 في المئة من الاستهلاك (قرار من دول الاتحاد الأوروبي) وزيادة 60 الى 65 في المئة في تكلفة الطاقة المنزلية. من الواضح أن هذين العنصرين مهمان وسيساهمان في الركود الحالي. لكن الاتحاد الأوروبي قد يتعافى في السنوات القليلة المقبلة بسبب الاستثمار الذي يضعه في الطاقة الخضراء.
تريد الإدارة الاميركية التأكد من أن توقيع الاتفاق مع ايران لن يقوض فرص الديمقراطيين في هذه الانتخابات. في الوقت عينه، يحاولون تجنب ذات الوضع في العام 2015 حين اتهمت دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل الولايات المتحدة الاميركية بتجاهل مخاوفها. تم تضخيم هذه الاتهامات من قبل بعض أعضاء الكونغرس (الجمهوريين بشكل أساسي) مما جعل الدائرة الانتخابية المناهضة للصفقات متعددة الأبعاد (محلية وإقليمية).
*ماذا عن غاز المتوسط؟ وكل الربط الحاصل بين مصر واسرائيل والاردن واليونان هل يوفّر شيئا من الغاز لأوروبا؟ ماذا عن الغاز التركي وسط صراع تركي يوناني نشأ منذ فترة حول التنقيب؟
– نعم، هذا جزء من الحلول القصيرة الأمد التي تدفع في اتجاهها الولايات المتحدة الاميركية. وهذا أيضا أحد الأسباب التي تجعل إسرائيل في عجلة من أمرها لزيادة انتاجها من خلال بدء الاستخراج في حقولها الشمالية. يمكن لاسرائيل ومصر وقبرص توفير حوالي ثلثي الغاز الروسي الذي لن تحصل عليه أوروبا. وقد أدى هذا في الواقع إلى انتكاسة في الانفراج الإقليمي مع تركيا. لقد شهدنا في الآونة الأخيرة بعض التوتر المتزايد بين تركيا واليونان وتركيا ومصر … وجزء من ذلك يتعلق من المنافسة على من سيخلف روسيا ويعوّض عن النقص في غازها.
*أين يقع ملف الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل في هذه المعركة الدولية على الطاقة؟
– بالنسبة لاسرائيل من المهم للغاية زيادة انتاجها في اسرع وقت ممكن، وبالتالي فهي حريصة على ان تؤدي الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة إلى نتائج فعلية. ببساطة، يريدون التأكد من بيع الحصة الأكبر من الغاز غير الروسي إلى الاتحاد الأوروبي. بالنسبة للبنان (وحزب الله)، هم ينظرون إلى الأمر من منظور توفير دخل للدولة يمكّن الطبقة السياسية من الاستيلاء عليه والتلاعب به. في خضم هذه الازمة الاقتصادية في لبنان، يأتي هذا كاجراء مناسب للغاية لانقاذ حياة طبقة سياسية تفقد شرعيتها.
*هل ستستخرج اسرائيل نفطها من حقل “كاريش” عنوة برأيك؟ وهل يسمح المناخ الدولي والاميركي باشتباك عسكري بين “حزب الله” واسرائيل؟
-لا ارى مؤشرات أو استعدادا من الطرفين (إسرائيل وحزب الله) للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة. هذا لا يمنع حدوث بعض الحوادث هنا وهناك مع ارتفاع مخاطر التصعيد غير المقصود الذي يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى حوادث ذات عواقب غير معروفة. في المدى القصير، لا أعتقد أن إسرائيل ستهدد وساطة الولايات المتحدة ببدء استخراج أحادي الجانب في الحقول الشمالية.
*التصعيد مستمر: في سوريا قصف مطاري دمشق وحلب من قبل اسرائيل، وهنالك ردود من الميليشيات التابعة لايران على مواقع اميركية، كيف يمكن شرح ما يجري هناك؟
-ستبقى سوريا مسرحا مناسبا للعديد من الجهات الاقليمية الفاعلة، بالرغم من الدوافع المختلفة لكل طرف من هؤلاء اللاعبين. بالنسبة الى تركيا، فإن الاجندة السورية الطموحة التي كانت لديها قبل 10 اعوام لم تعد موجودة. القضية الاهم في هذه المرحلة هي كيفية ادارة حدودها الجنوبية والسيطرة عليها بشكل أفضل مع السيطرة الكردية على بعض هذه المناطق، بما في ذلك ارتباط بعض الجماعات الكردية السورية بحزب العمال الكردستاني. بالنسبة لاسرائيل، من المهم الاستمرار في الحد من هامش مناورة ايران في سوريا ولبنان. يبدو ان قواعد الاشتباك الضمنية بين ايران وروسيا واسرائيل تجعل من سوريا منطقة عمليات أقل اشكالية من لبنان حيث تؤدي أية عملية عسكرية من قبل إسرائيل الى رد من “حزب الله”. بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية، يعد الحفاظ على وجود رمزي أمرا مهما ويسمح ببعض العمليات التكتيكية المنخفضة الحدّة ضد الجماعات الارهابية و والمجموعات المسلحة الموالية لإيران