بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في 14 أفريل2021انسحاب قوات الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو من أفغانستان، بدأت صفحة جديدة في تاريخ افغانستان.
تسارعت مواقف الدول و المنظمات الدولية منذ إعلان حركة طالبان انتهاء الحرب في أفغانستان وسيطرتها على القصر الرئاسي في كابول في 16 أوت 2021،و سارع هؤلاء الى التعبير عن موقفهم تجاه الوضع الجديد في افغانستان خصوصا وأنه من الممكن أن تتحول أفغانستان مجددا إلى معقل للإرهاب وتكون بداية لعودة الجماعات والتنظيمات الجهادية.
وازداد القلق عربيا، من عودة حكم حركة طالبان مجددا إلى أفغانستان، مع ما يحمله ذلك من مخاطر تتمثل في عودة كابول لاحتضان جماعات متطرفة، مثل القاعدة وما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، داعش.
كما أصبحت هذه الحركة تسيطر على الحدود مع إيران وباكستان وطاجيكستان وهو ما خلق نوعا من القلق خاصة مع إيران التي كانت لها خلافات عديدة مع طالبان أثناء حكمهم لأفغانستان 1996-2001 وقد كانت المحطة الأبرز في هذه العلاقة مقتل عشرات الأرواح.
فماهي تداعيات وصول حركة طالبان للحكم على إيران وعلى الشرق الأوسط عامة؟؟
تحذر التجربة السابقة لسيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان بالعديد من المخاطر على المصالح الإيرانية خاصة وأنه من المحتمل أن تتشكل اضطرابات عديدة على مقربة من الحدود الأفغانية-الإيرانية التي تصل إلى 945 كلم، مثل: تهريب المخدرات والهجرة غير النظامية ومهاجمة النقاط الأمنية الحدودية هذا فضلا على التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتعددة الأخرى خصوصا وأن كلا البلدين لا يملكان نفس الإيديولوجيا إذ تتمتع طالبان بأيديولوجية إسلامية متشدّدة جدا، وهو ما يهدد إيديولوجية ولاية الفقيه في إيران.
وفي هذا السياق قال الدكتور ايلي ابو عون مدير برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام في حديث له مع “الصباح نيوز” أنه على الرغم من الافتراض السائد بأن سيطرة طالبان على السلطة تشكل تهديدًا استراتيجيًا لإيران، فإن الحقائق على أرض الواقع تظهر أن النظام في إيران أقام علاقة براغماتية مع طالبان على مدى السنوات القليلة الماضية.
لذلك، قد تشكل طالبان تهديدًا تكتيكيًا لإيران ولكن ليس تهديدًا استراتيجيا، لأن هيكلية قيادة طالبان لامركزية مع فجوة بين القيادة السياسية والوحدات العسكرية.
وواصل ابو عون في تحليله للمشهد :” من المحتمل أن تشن بعض الوحدات العسكرية التابعة لطالبان من الناحية التكتيكية هجمات متفرقة ضد إيران لكن من غير المرجح أن تخوض طالبان مواجهة شاملة مع الدولة الشقيقة اذ اعتبر أنه من الصعب أن تصل طالبان إلى دول المشرق حيث استثمرت إيران سياسيًا وعسكريًا في السنوات الأخيرة وبالتالي مدى قدرة طالبان على إلحاق الضرر بإيران محدودة.
هل يمثل وصول طالبان للحكم خطرا على الشرق الأوسط؟
يتمثل الخطر الأكبر عند دول منطقة الشرق الأوسط في عودة طالبان للحكم في عودة المد الأصولي إلى المشهد العربي من جديد بعد الهزائم المتتالية للجماعات والتنظيمات الإسلامية والجهادية، في العراق وسوريا.
كما تعتري الدول العربية عدة مخاوف من تصعيد للعنف داخل الأراضي الأفغانية الذي ربما يمتد أثره إلى منطقة الشرق الأوسط، لذلك أعلنت البحرين، بصفتها الرئيس الحالي لمجلس التعاون الخليجي، أنها ستبدأ مشاورات مع دول الخليج الأخرى بشأن تطوّرات الوضع في أفغانستان باستثناء قطر التي لعبت لسنوات دور الوسيط بين الحركة وواشنطن(للتذكير لعبت قطر دوراً محورياً في السياسة الأفغانية واستضافت مكتب حركة طالبان منذ عام 2013 بالتنسيق الضمني مع واشنطن وجولات عدة من المفاوضات على مرّ السنين الماضية)
وبخصوص هذا الجانب يقول مدير برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام أن التهديد الكبير الذي يلوح في الأفق هو انعكاسات سيطرة طالبان على دول الخليج بشكل عام، والأهم من ذلك تلك التي جعلت الحرب على الإسلام السياسي على رأس أولوياتها في السنوات الأخيرة(دولة الامارات و المملكة العربية السعودية) لأن سيطرة طالبان الكاسحة على أفغانستان ستزيد قوة مؤيدي الإسلام السياسي، مؤكدا أن تركيا وقطر ستستفيدان من تعزيز الإسلام السياسي والتي دعمتاه بقوة في العقد الماضي.
وأضاف الدكتور إلي عون أن الإمارات والسعودية وحلفائهما سوف يستعينون بقطر وتركيا م لحث طالبان على عدم شن هجمات على أراضيهم أو ضد مصالحهم.
وواصل قائلا: “بالتأكيد ستفكر طالبان في ابتزاز الإمارات والسعودية بتهديد أمنهما، لذلك لن يتمكن البلدين وحلفائهم من تأمين حماية مصالحهم من خلال أدوات مكافحة الإرهاب التقليدية كما كان الحال في الماضي، بل سيلجأؤن الى المساومة السياسية مع طالبان”.
كما أكد أنه، بغض النظر عن ما اذا اختارت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة التحدث مباشرة إلى طالبان ام عبر وسطاء كتركيا و قطر ، سيتعين عليهما التفكير بجدية في التسويات السياسية لطالبان وبعض حلفائهم الإقليميين، بما في ذلك تغيير نمط الحملات ضد الإخوان في مصر وتونس وليبيا و غيرها.
وأما بالنسبة لبدأ طالبان بعمليات خارجية علق محدثنا أنها قد تستغرق بعض الوقت لبدء عملياتها “الخارجية” لأن السبب الرئيسي يكمن في أن أفغانستان بلد معقد، وأن الاستيلاء على العاصمة شيء وتثبيت البلاد واستقرارها شيء اخر “وقصة مختلفة” وبالتالي سوف يحتاجون إلى حد ادنى من الاستقرار الداخلي لبدء عمليات عبر الحدود أو في الخارج.
لذلك اعتبر الدكتور إيلي أبو عون في ختام حديثه لموقع “الصباح نيوز” اعتبر “أنه قد لا يكون التغيير في بعض الديناميكيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (أي ليبيا وتونس …) وشيكًا ولكنه شيء يجب الاستمرار في مراقبته”.