This piece was originally published on jusur website https://www.jusur.com/
مئة يوم على اندلاع المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس، غيّرت معالم قطاع غزة وحولته إلى منطقة منكوبة، تنبعث منها رائحة الموت والدمار، فيما لم يحقق أي طرف في النزاع انتصاراً على الآخر.
وأكد منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في وقت سابق أن قطاع غزة “بات بكل بساطة غير صالح للسكن… مكانا للموت واليأس”.
حين فاجأت حماس إسرائيل والعالم بعملية “طوفان الأقصى” النوعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم، لم يتوقع أحد أن تداعياتها ستكون كارثية على قطاع غزة الذي يعاني أساساً من ظروف صعبة اقتصادياً وسياسياً نتيجة الحصار الإسرائيلي عليه منذ سنوات.
بدوره، انغمس الجيش الأسرائيلي في وحول معارك برية منذ السابع والعشرين من الشهر عينه لم يحقق فيها أي نتائج ملموسة حتى الآن حيث عجز عن تحرير الأسرى كافة رغم الضغط الداخلي في إسرائيل على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لإنقاذهم، بينما لاتزال حماس تقاتل دون هوادة.
غياب الرؤية السياسية
تعود أسباب فشل طرفي النزاع في قطف ثمار الحرب، إلى غياب الرؤية السياسية لدى كل منهما وفقاً للأستاذ المحاضر في جامعة القديس يوسف الدكتور إيلي أبو عون.
ويؤكد لـ “جسور” أن الحرب بين إسرائيل وحماس لم تحقق سوى المزيد من القتل والدمار غير المسبوقين لأن الفريقين دخلا إلى المعركة من دون تحديد أهداف سياسية معينة “من الناحية السياسية الأفق مسدود لدى الطرفين”.
ويضيف: “من الناحية الأمنية والعسكرية والمخابراتية تميز أداء حماس بخروقات كبيرة، لم نعهدها لديه سابقاً، غير أن العملية افتقرت إلى أي قيمة سياسية. الأمر ذاته ينطبق على ردّ الفعل الإسرائيلي الذي بنيَ على فكرة الانتقام ولم يرتبط برؤية معينة لحل مشكلة غزة القائمة منذ سنوات وكيفية التعاطي مع المدنيين وتأمين حقوقهم”.
ولم ينفِ أبو عون إمكانية الحد من العمليات العسكرية أو إنهائها كلياً لكنه يؤكد عدم ديمومتها “الأمور ستبقى هشّة وعرضة للاهتزاز حيث أن إلغاء حماس من الوجود صعب بعد حصولها على امتداد شعبي”.
ويعتبر في المقابل أن الجهود الدبلوماسية تحاول وضع إطار للمفاوضات إنما الحلول غير جدية حتى الساعة لكونها خالية من أي محتوى سياسي وتميل إلى السيناريوهات غير الواقعية.
ماذا عن حل الدولتين؟
بات المسار نحو حل الدولتين أكثر تعقيداً بعد حرب غزة، يقول أبو عون مضيفاً “لا أتصور أن المجتمع الإسرائيلي في السنوات المقبلة يوافق على تقديم تنازلات أساسية لإنجاز حلّ الدولتين فالصدمة كانت كبيرة عليه وكذلك حجم الأضرار” مؤكداً أن الأمر ذاته ينطبق على الفلسطينيين “حجم الدمار الذي عاينوه غير مسبوق”.
بالتالي يرى أن مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يحتاج إلى سنوات من العمل “على المجتمعين كلّ على حدة” لإخراجهما من حالة الحقد العميقة التي أنتجتها حرب غزة.
الرابح الوحيد
من جهة ثانية، فجّر أبو عون قنبلة بكشفه أن الفريق الوحيد الذي سجل أهدافاً خلال حرب غزة “ليس سوى إيران” حيث نجحت أولاً على مستوى التموضع الاستراتيجي “في “بروفا” وحدة الساحات، وتحوّلت أيضاً إلى طرف أساسي في أي مفاوضات تتعلّق بهذا الملف بعد أن استبعدت عن طاولة المفاوضات خلال السنوات الماضية.
الخسائر في قطاع غزة
تكبّد قطاع غزة خسائر فادحة في الأرواح، حيث فقدت معظم الأُسر عدداً كبيراً من أفرادها وأخرى أبيدت بأكملها، ليلامس عدد الضحايا 23,500 قتيلًا و60 ألف جريح فيما أكدت منظمة دولية غير حكومية مقرها لندن أن 10 آلاف طفل قضوا خلال المعارك أي ما نسبته 40% من الضحايا وخسرت 30% من النساء حياتهنّ، لتعدّ أكبر حصيلة عرفها الفلسطينيون منذ نكبة 1948.
تجدر الإشارة إلى أن عدد سكان قطاع غزة وصل عام 2023 إلى 2.3 مليون نسمة منهم 1.06 مليون طفل دون سن الثامنة عشرة شكلوا 47% من نسبة السكان.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب، بات ما يقارب الـ 85% من سكان القطاع من النازحين أي حوالي 1.9 مليون شخص، وفقا للأونروا، معظمهم نزحوا من مدينة غزة وشمالها إلى المناطق الوسطى والجنوبية من القطاع.
أضف إلى ذلك، يفتقر سكان قطاع غزة اليوم إلى أساسيات الحياة من مسكن ومأكل ومياه حيث دمّر القصف المركّز نحو 45% إلى 56% من مباني قطاع غزة بشكل كلي أو جزئي، كما تم تسجيل انقطاع كامل أو شبه كامل للانترنت على فترات.
وأشارت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) إلى أن ما لا يقل عن %40 من سكان القطاع معرضون لخطر المجاعة ويعانون من أزمة مياه حادة تهدد حياتهم بعد انخفاض نسبة الإمدادات من مصادر المياه بمقدار %90، في حين أن المحافظات الشمالية من القطاع تعاني من انعدام تام للوصول إلى المياه الآمنة. القطاع الصحي في قطاع غزة هو المتضرر الأبرز جراء الحرب، فضعف الإمكانيات والطواقم الطبية تفاقم الى حد بات يهدد حياة الفلسطينيين المصابين والمرضى.
وللجمعة الرابعة عشرة حرم سكان القطاع من تأدية الصلاة في مساجدهم التي دمرت إسرائيل 380 مسجداً منها إضافة إلى 3 كنائس.
خسائر إسرائيل
أما إسرائيل التي لم تستعد كل أسراها، خسرت عدداً لا يستهان به من جنودها وتواجه أمام محكمة العدل الدولية شكوى بارتكاب “أعمال إبادة” في قطاع غزة رفعتها ضدها دولة جنوب إفريقيا، لترد عليها بالقول إنها “لا تسعى لتدمير” الشعب الفلسطيني معتبرة أن قضية الإبادة المرفوعة ضدّها تنطوي على “تشويه عميق” للحقائق ولا تعكس واقع الوضع خلال حرب غزة.
وأدى طوفان الأقصى إلى مقتل نحو 1200 إسرائيلي، غالبيتهم مدنيون واختطاف نحو 240 شخصا خلال الهجوم احتُجزوا رهائن في قطاع غزة.
وتجاوز عدد قتلى الجيش الإسرائيلي في غزة منذ بدء المعارك البرية في 27 أكتوبر/تشرين الأول الـ200 جندي وضابط، فيما لامس عدد القتلى منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الـ550 عنصرا.
وفي آخر ما سجلته المساعي والجهود الديبلوماسية، تتقدم مبادرة قطرية جديدة، الأولى من نوعها التي تتحدث عن إنهاء الحرب بشكل كامل على قطاع غزة، بعد إنجاز عملية تبادل الأسرى وانسحاب الجيش الإسرائيلي منه