Geekondoor-6

هل نعرف عما نتكلم

Reflection On Lebanon political system published in An-Nahar

annahar

كثرت في الآونة الاخيرة – في اطار المشاحنات الرئاسية اللبنانية – الطروحات والطروحات المضادة عن موضوعات مهمة للغاية يبتذلها بعض الافواه والاقلام بأبشع ما يمكن ان يتصوره اي شخص يتمتع بالحد الادنى من الحس النقدي.
اول هذه الموضوعات المتداولة هو ما يعرف لبنانياً بـ”المثالثة” اي تقسيم السلطة في لبنان بين السنة والشيعة والمسيحيين خلافا للنموذج السابق والمعروف بـ”المناصفة” بين المسيحيين والمسلمين (سنة وشيعة ودروز وعلويين).
وهنا يتعمد المزايدون اغفال ابسط القواعد المنطقية في مقاربة طبيعة النظام السياسي اللبناني. اذ ان الهدف من انشاء نظام سياسي قائم على الانتماء المذهبي – بحسناته وسيئاته – هو الاخذ بالمعطى التاريخي بأن يتقاطع الانتماء السياسي مع المذهبي لدى شريحة كبرى من اللبنانيين مما يتطلب نظاما سياسيا يبنى على هذا المعطى. لذا، وبصرف النظر اذا كان التقاسم مناصفة اومثالثة، لا يرتقي نظام من هذا النوع الى الهدف الذي انشئ من اجله، الا اذا تمتع من يمثل اي مكون من المجتمع اللبناني في تركيبة السلطة بمشروعية نابعة من المكون نفسه وليس من اي مكون آخر. اذا نظرنا بتمعن في مدى توافر هذا الشرط منذ عام 1990 نجد ان النظم الانتخابية المعتمدة منذ انتهاء الحرب كرست مبدأ التمثيل المجتزأ خاصة عند المسيحيين (ولكن ليس عندهم فقط). ففي كل الدورات الانتخابية لم تتعدَ نسبة النواب المسيحيين المنتخبين من المكونات المسيحية الثلث بأفضل الاحوال، علماً انها كانت اقل من الربع في اكثر المرات. ووجدت المشكلة نفسها في اغلب الحكومات، اذ ان عدد الحكومات التي تعكس التمثيل السياسي الصحيح كانت غائبة تماماً بين 1990 و2005. اذاً المناصفة الذي يتغنى بها البعض في ايامنا هذه ليست إلّا وهماً وخيالاً. في هذا الاطار يطل البعض بحجة واقعية، ولكن غير دقيقة بأن اتفاق الطائف كرس المناصفة اقله بالنص، ولكن الممارسة خالفت النص. ينسى هذا البعض ان دستور الطائف ينص على امور عدة منها الغاء “الطائفية السياسية” وانتخابات على اساس دوائر معدلة، مما يطيح بمبدأ التمثيل الفعلي وينقض بشكل كبير متطلبات المناصفة.
لذا ان الامر الاساس والسابق لنقاش المناصفة او المثالثة هو اما اعتماد نظام سياسي غير مبني على الانتماء المذهبي (والذي لا يصلح للواقع اللبناني الحالي برأيي) او ان تقبل كل المكونات بمبدأ التمثيل الصحيح بما فيه ان يتخلى كل من تيار المستقبل “وحزب الله” وحركة “امل” والحزب التقدمي الاشتراكي عن الاتيان بوزراء ونواب مسيحيين تابعين لهم (منتخبين من قبل قواعدهم الشعبية). كل كلام عن مناصفة او مثالثة قبل الاقرار بمبدأ حصرية التمثيل يبقى ذراً للرماد في عيون اللبنانيين.
من جهة اخرى، شهد السجال الانتخابي الرئاسي ايضاً طرح “مواصفات” الرئيس المنتظر. فنشط خيال السياسيين وبعض الاعلام في “حلب” مفردات اللغة العربية ليتحفونا بمصطلحات مثل “الرئيس القوي” او “التوافقي” او “الوفاقي” او “الوسطي” وغيرها من المفردات الرنانة. ولم يفكر هؤلاء في ان هذه المواصفات تبقى فارغة المضمون ما لم يتحدد الدور السياسي الذي “يجب” و”يمكن” ان يمارسه الرئيس في ضوء الواقع اللبناني والصلاحيات المتاحة له دستوريا. وبناء عليه، ان الاطار الافضل للنقاش هو اذا كانت وظيفة رئيس الجمهورية ان “يحكم”، “يدير” او ان يكون “حكما”. الادوار الثلاثة مختلفة تماما والاتفاق على الدور يملي الآلية التي يجب اعتمادها، كما و”بروفايل” الرئيس.
فاذا كان المطلوب من الرئيس ان يحكم يجب انتخابه بالاكثرية المطلقة، ويمكن ان يأتي الرئيس في هذه الحالة من كنف الاكثرية النيابية وان يتمتع بصفات قيادية بامتياز. ولكن هذا الخيار يتطلب تعديلا دستوريا يعيد النظر في الصلاحيات الرئاسية بما يتيح للرئيس ان يحكم. اما دور “المدير” – اسوأ الخيارات على الاطلاق – فهو اقرب ما يكون عليه هو شخص غير قيادي تكنوقراطي على الارجح ولا يتمتع بالضرورة بحيثية سياسية. اما الدور التحكيمي فيتطلب رئيساً مقبولاً من الجميع دون ان يعني هذا ان يكون مجردا من الحيثية السياسية. فالحكم يجب ان لا يكون “موظفا” عند احد (والا انتفت صفته التحكيمية) بل على العكس يجب ان يكون لديه القدرة على التأثير الايجابي في مختلف الاطراف دون ان يفقده هذا استقلاليته وهامش المناورة. لا بد من الاعتراف بأن حاضر لبنان ومستقبله القريب يتطلبان دورا تحكيميا للرئيس اكثر من اي شيء آخر. هذا الدور مختلف جذريا عن الوسطية بالمفهوم اللبناني، والتي اضحت مجرد “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”… هل يصوب النقاش في اتجاه عقلاني يسمح بتحديد دور الرئيس المقبل ومواصفاته؟

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *